الاثنين، 6 أكتوبر 2008

ديموقراطية أمريكا ، وليبرالية طالبان

يمكن لي أن أفهم لماذا قتل ستالين الملايين ترسيخاً لعقيدة شمولية دموية .. وأستطيع أن أجد تفسيراً لطبيعة الدوافع التي سفكت دم الملايين في معارك إثنية طاحنة بين الهوتو والتوتسي .. وبإمكاني أن أتفهم مسوّغات حركة طالبان في تطبيقها لنموذج ديني متشدد .. لكنني لم أستطع ـ حتى الآن ـ أن أستوعب كيف يكون القتل باسم الديموقراطية، والدمار تحت شعار الدفاع عن الحرية!!أعتقد أن الولايات المتحدة لم تمر في تاريخها بحالة من التشوّه الأخلاقي كما باتت عليه اليوم "أمريكا بوش".صار الحديث عن "ديموقراطية أمريكا" أشبه بالحديث عن "ليبرالية طالبان".تحاصر ليبيا عشر سنوات كي تدفع لها عشرين مليون دولار عن كل "رأس" أمريكية سقطت في تفجير لوكربي .. ثم ترمي بورقتين قذرتين من فئة المئة دولار (وفقاً لتسعيرة حقوق الإنسان الأمريكية) لقيمة الرأس الأفغانية، بعد أن قتلوا خمسين منهم في قصف جوي "خاطئ" ـ ولكنه محمل بالنوايا الحسنة!! ـ على قافلة عرس قروية.وتريد أن تحرر الشعب العراقي من طاغية قام بقتل بضعة آلاف في فترة حكمه الممتدة ثلاثين عاماً، وذلك عن طريق إشعال حرب راح ضحيتها مائة ألف قتيل في ثلاث سنوات!!وفي الوقت نفسه الذي تحاكِم فيه "العدالة الأمريكية" ذات الطاغية على إعدام (148) شخصاً حاولوا اغتياله في الدجيل تقوم بسفك دماء ثلاثة آلاف مواطن بريء في الفلوجة سقطوا ـ دون قصد!! ـ أثناء بحثهم المشروع عن "الإرهابيين" المتورطين بمقاومة دولة تسميها الأمم المتحدة "دولة احتلال"!!وفي الزمن الذي تسجن فيه المئات في معتقلات بشعة بغوانتنامو، وتقيم سجوناً سرية خارج دائرة القانون في أوروبا الشرقية تصدر تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان في العالم لتدافع فيه عن حق المرأه في قيادة سيارة!!أمريكا باتت لا تحتاج مسوغاً قانونياً أو أخلاقياً لتفعل ما تريد .. صارت مثل الأب الذي لا يجوز لأبنائه محاسبته على أفعاله .. لذا فقد أخذت على عاتقها مطاردة الإرهابيين وتتبعهم، وفي حال وصلتها معلومات استخبارية ـ من نوع معلومات أسلحة الدمار الشامل في العراق ـ عن مكان يتواجد فيه "إرهابيون" ، فيتم التحقق من صحة هذه المعلومات عن طريق قصف القرية "المشبوهة"، فإن لم يكن الإرهابي المطارد أحد الضحايا العشرين الذين ماتوا في القصف ستعلم حينها أن المعلومات التي وصلتها "غير دقيقة"!!ولأنها تؤكد دائماً صرامتها في الدفاع عن حقوق الإنسان فقد قامت بإجراء رادع حين حكمت على مجند أمريكي بالسجن لـ "ثلاث سنوات!!" لكونه تسبب في قتل عراقي عن طريق خنقه في كيس قذر حتى الموت .. وفي الوقت نفسه حكمت بالسجن "مائة وعشرين عاماً" على رجل ـ لم يسرِ في عروقه نقاء الدم الأزرق ـ لأنه أساء معاملة خادمته التي تعمل عنده منذ تسع سنوات!!أنا مازلت لا أفهم لِم تتم المناورات التدريبية لـ (FBI) داخل الأحياء السكنية حين يشن ثلاثون عنصراً مسلحاً هجوماً في منتصف الليل على منزل صغير؛ ليقوموا بالقبض على رجل عربي بسيط ـ مع زوجته وأطفاله ـ ربما لا يعرف الفرق بين رجال الاستخبارات ورجال الإطفاء.ولكن ذلك لا يهم .. لأن أمريكا ستضمن له كامل حقوقه، وهو يعيش في زنزانة انفرادية يمارس فيها كافة حقوقه الديموقراطية والليبرالية في انتظار أن يتأكد رجال الأمن من أنه لا علاقة له بالإرهاب، على ألاّ تتجاوز مدة انتظاره خمس السنين!!على الرغم من كل ذلك سأحاول أن أتفهم هذه الممارسات الأمريكية .. شيء وحيد أظنه يتأبّى على الفهم .. هو حين يجلس مثقف أمريكي على طاولة المحاضرات ليتساءل وهو يحتسي القهوة بكل براءة:(لماذا يكرهوننا)؟!

الباحث:نواف القديمي

ليست هناك تعليقات: